أطفال خلف البسطات لإعالة أسرهم.. القذائف التي تُطارد الأحلام في غزة
تسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة بحرمان الأطفال من حقهم في التعليم وممارسة هواياتهم في اللعب، مما أجبرهم على اللجوء إلى العمل لإعالة أسرهم.
يبدأ عبد الله عطالله البالغ من العمر 9 أعوام نهاره بتحضير حقيبته، لكنها ليست حقيبة مدرسية كما يُفترض أن تكون لطفل في سنّه، بل يوضّب فيها محتويات البسطة، وهي عدة أكياس مسليات كانت قد أعدّتها أمه من الطحين والتوابل، ليقضي غالبية اليوم تحت وطأة حرارة الشمس محاولاً بيعها في سوق الصحابة وسط مدينة غزة، على الرغم من الصعوبات والمضايقات التي تقابله.
يروي الطفل عبد الله أن الأمر لا يسلم من بعض التعديات، ففي بعض الأحيان يتشاجر معه أحد لأنه قد اجتاز المسافة الفاصلة بينهما، وأحياناً أخرى يأتي بائع متجول ويقف بالقرب منه عندما يشاهد أن له زبائن يقصدونه بالفعل، لافتاً إلى أنه في مرات أخرى قد تخترق الطائرة المسيرة السوق لتلاحق أهدافها، كما تزعم، وفي تلك الحالة يضطر إلى ترك بسطته والبقاء تحت لوح خشبي أو البحث عن أقرب حائط للاحتماء خلفه.
يقول والد عبد الله إنه يخشى على صغيره من انخراطه في ذلك العمل لكن ليس بيده ما يفعله، فقد أغلقت المدرسة أبوابها أمام الطلبة منذ ما يقارب العام، ولا وجود لأيّ آفاق لاستئناف التعليم في مدينة الموت، لهذا السبب يحاول تعليم ابنه ما ينتفع منه من خلال البيع والشراء وتكوين العلاقات عبر التواصل المباشر مع فئات المجتمع كافة، ويحرص على البقاء بالقرب منه لحمايته من أيّ أذى.
على الطرف المقابل من المدينة في سوق المغربي، كان الطفل صبحي صلوحة، يمسح العرق عن جبينه وهو يحاول جرّ ذلك اللوح من الخشب ليسنده ببعض الحجارة ويضع عليه المعلبات، مستذكراً تلك الأيام التي كان يحاول فيها التخلص من التعب الذي سببته له مباراة كرة قدم أو نزهة طويلة مع والده الذي فارقه منذ شهر شباط/ فبراير الماضي، خلال ملاحقته أحد شاحنات الطحين كي يُطعم صغاره.
يقول صبحي للميادين نت: "جميع الباعة هنا في السوق يحبّونني، ربما لشخصي أو لأن والدي شهيد فهم يشفقون عليّ ويساعدونني، لكني أجد على الدوام من يُعلّمني كيف أتعامل مع مرتادي السوق من الزبائن وبائعي الجملة، وينصحونني دائماً بأن أنتبه لأمي وأخواني الصغار، وأنا أستمع إلى أحاديثهم، مردداً بيني وبين نفسي أنني أحتاج إلى أبي".
لم يتجاوز صبحي 12 عاماً من عمره، ليكابد مشقة الفقد وتحمل مسؤولية عائلته في ذلك السن، فيشير إلى أنه لا يريد تلك الحياة، بل يحتاج إلى ملعب واسع وكرة قدم في منتصفه ليركض وراءها بدلاً من الركض لتجنّب الرصاص أو الشظايا المتناثرة من الصواريخ أو القذائف، كما يحتاج إلى أن يمسك قلماً وورقة في يده بدلاً من حمل علب المعدن وعدد من الأحجار والأكياس الثقيلة التي تحني ظهره.
ربما تعتبر تلك الذكريات الجميلة كنزهة يوم الجمعة وشاطئ البحر والمدرسة هي ما يتفق عليها أطفال غزة متمنين رجوعها، فالطفلة ريم محمد، ذات 13 عام اختارت أن تنزل السوق لتبيع بعض أكياس الشيبس كي توفر مصروف يومها، الذي نسوه الصغار منذ قيام الحرب، لافتة أنها لا ترغب بزيادة أعباء والدها فتجلس إلى جانبه طوال اليوم كبائعة متجولة، كي تساعد ذاتها بالحصول على بعض المال لشراء الأطعمة المسلية التي حرمتها منها الحرب.
في هذا السياق، يعلق الخبير التربوي خالد المزين، أن وضع الأطفال في قطاع غزة أصبح بحاجة إلى وقفة جادة وتدخل صارم من قبل الأطراف والمؤسسات المعنية بالطفل في العالم كافة، من خلال قرار رسمي أممي لحمايتهم من ويلات الحرب، التي تسببت بظاهرة عمالة الأطفال.