"Eurasiareview": خيبة أمل الدول العربية من نهج واشنطن يحوّلها شرقاً

تتبنّى السياسات الخارجية لعدد من دول الشرق الأوسط النهج متعدّد الأطراف بصورة مطردة، وتتحوّل شرقاً نحو الصين، إذ لم تعد ترضيهم جهود واشنطن المبذولة.

  • "Eurasiareview": خيبة الأمل العربية من نهج واشنطن يحوّلها شرقاً

موقع "Eurasiareview" ينشر مقالاً للكاتبة سارة نيومان، تتحدّث فيه عن تحوّل الدول العريبة إلى بناء شراكات مع دول الشرق وتحديداً الصين، بسبب خيبة أملها من نهج واشنطن. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

على مدى العقد الماضي، تبنّت السياسات الخارجية لعدد من دول الشرق الأوسط النهج متعدد الأطراف بصورة مطردة. وحتى حلفاء الولايات المتحدة التقليديون، أمثال مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لم تعد ترضيهم جهود واشنطن المبذولة لإنشاء كتل استثنائية تحت القيادة الأميركية. وتسعى هذه الدول بقوة إلى بناء شراكات مع قوى عالمية متعددة، بما في ذلك الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي لا تزال أبو ظبي شريكاً أمنياً واقتصادياً وثيقاً للولايات المتحدة، وطّدت علاقاتها بشكل وثيق مع بكين من خلال التجارة الموسّعة والتبادل التكنولوجي وعقود التسلّح الجديدة. كذلك، حافظت الإمارات على علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا؛ كما استثمرت في المجالين التجاري والتكنولوجي مع الهند وتُوّجت علاقتهما ببناء شراكة اقتصادية جديدة في عام 2022. ويبدو الاستياء من سياسات واشنطن واضحاً بشكل خاص بين المسؤولين السعوديين، ولا سيّما بعد الهجمات التي طالت شركة "أرامكو" وعدم دعم البيت الأبيض للسعودية في حربها على اليمن. وفي الوقت الذي تسعى دول الشرق الأوسط الأخرى إلى بناء شراكات متنوّعة مماثلة، يُتوقّع أن يؤدي هذا التحوّل نحو النهج متعدد الأطراف إلى إعادة تشكيل نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.

وفي حين تظل واشنطن القوة الخارجية المهيمنة بين الدول العربية، فإن نفوذها لم يعد من دون منازع. إذ تقدّم بكين اليوم فرصاً دفاعية واقتصادية لا تقوى الولايات المتحدة على تقديمها. فقد أنشأت الصين قاعدة عسكرية أجنبية في جيبوتي واستثمرت في موانئ في جميع أنحاء المنطقة قد تستخدمها لأغراض مدنية وعسكرية. وبالتالي، تسمح هذه الاستراتيجية لبكين بتوسيع آفاق الجيش الصيني إلى جانب تعزيز علاقاتها التجارية مع دول الشرق الأوسط في الوقت عينه. ووفقاً لتقارير المخابرات الأميركية التي تمّ تسريبها في كانون الأول/ديسمبر 2022، سمحت الإمارات للصين باستئناف بناء منشأة لوجستية عسكرية في أحد موانئها. 

في المقابل أيضاً، تبنّت الصين نهجاً مماثلاً في تبادل التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها مع دول الشرق الأوسط. وتوفّر الصين أسعاراً معقولة ووصولاً غير مشروط إلى التقنيات المتطورة، مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجّهة بدقة، للعملاء غير القادرين على شراء هذه الأنظمة من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت الصين الدعم للحكومات العربية في مجال الأمن الداخلي من خلال تدريب أفراد الشرطة وتمكينهم من الوصول إلى تقنيات المراقبة المتطورة. 

على الصعيد السياسي، منذ عام 2021، أصبحت كل من البحرين ومصر والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شركاء حوار في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وانضمت إلى كلّ من تركيا التي كانت شريك حوار في منظمة شنغهاي للتعاون منذ عام 2013 وإيران التي حصلت على العضوية الكاملة في المنظمة العام الفائت. وبالنسبة لحلفاء واشنطن العرب، فإن المشاركة في منظمة شنغهاي للتعاون تعزز علاقاتهم مع الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تؤدي الصين حالياً دوراً أكبر في منطقة الشرق الأوسط. فقد تجاوزت تجارة الصين مع الشرق الأوسط منذ فترة طويلة تجارة الولايات المتحدة؛ وفي عام 2019، تجاوزت الصين الاتحاد الأوروبي لتصبح أكبر شريك تجاري في المنطقة. وعلى مدى العقد الماضي، شهدت تجارة الصين مع الشرق الأوسط زيادةً بنسبة 40% تقريباً، مدفوعة بصادرات بكين المتزايدة وطلبها على المنتجات النفطية، في حين انخفضت الواردات والصادرات الأميركية إلى المنطقة، وذلك وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي. وبالتالي، عززت هذه الزيادة في التجارة نفوذ الصين الإقليمي بين الدول العربية.

وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة لا تزال تمتلك حصة أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة يتركّز معظمها في ثلاث دول فقط، وهي "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وضمن مجموعة محدودة من القطاعات، فإنّ استثمارات الصين تُعدّ أكثر تنوّعاً وتمتدّ إلى دول مثل عمان، التي تتلقّى القليل من الدعم الأميركي. كما تغطي هذه الاستثمارات مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك الطاقة والبنية التحتية المادية والرقمية والعقارات ما يجعلها شريكاً جذّاباً على نحو مطّرد.

وقد أدّت علاقات الصين التجارية والاستثمارية الواسعة مع الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسة أمثال إيران والمملكة العربية السعودية، إلى جانب انفتاح هذه الدول على مشاركة بكين في الشؤون الإقليمية، إلى زيادة فرص الصين للتأثير على التدابير الأمنية الإقليمية.

ولعلّ أدق وصف يمكن منحه للنظام الناشئ هو أنّه ثنائي القطب، إذ تمارس كلّ من الصين والولايات المتحدة نفوذاً تنافسياً على الديناميكيات التجارية والأمنية في المنطقة. ونتيجة لذلك، يبدو أنّ الدور الذي تؤديه الصين في الترتيبات الأمنية الإقليمية سيصبح بارزاً على نحو مطرد في المستقبل القريب، في أعقاب استثماراتها الواسعة وبعيدة المدى.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.