"Counterpunch": كيف يساهم تضليل بلينكن في استمرار المآسي في غزة؟
إنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يعمل في الواقع كعميل صهيوني ويمارس استراتيجية التضليل الإعلامي.
موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب جمال كنج يتحدّث فيه عن استراتيجية التضليل الإعلامي التي يمارسها وزير الخارجية أنتوني بلينكن فيما يخصّ المفاوضات بين "إسرائيل" وحماس من جهة، ومع مصر من جهة أخرى، الأمر الذي يزيد من معاناة الفلسطينيين في غزّة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بعد اجتماع دام 3 ساعات مع بنيامين نتنياهو أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن قبول "تلّ أبيب" اتّفاقَ وقف إطلاق النار المفترض. ولكن بعد أقلّ مِن 48 ساعة اتّضح أنّ ما أُعلن عنه كان جزءاً من استراتيجية تضليل إعلامي مصمّمَة لإلباس الذئب ثياب الحمل. فلقد أصبح التواطؤ بين إدارة جو بايدن ونتنياهو جليّاً أكثر، حين أجاب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، عن موقف الإدارة من شروط نتنياهو لوقف إطلاق النار، وأهمّها سيطرة قوّات الاحتلال على حدود القطاع ووسط مدينة غزّة، "الجيش الإسرائيلي يُمكن أن يتحمّلَ مسؤوليات أمنية على الحدود"، بمعنى موافقة غير مُتوارية على شروط نتنياهو كي يستأنف حرب الإبادة الجماعية ضدّ 2.3 مليون فلسطيني في غزّة، مقابل إطلاق سراح نحو 100 أسير إسرائيلي و6 أسابيع من الهدوء.
وكان قد كشف عن أنّ القاهرة و"تلّ أبيب" ستناقشان شروط نتنياهو الجديدة لوقف العدوان على غزّة، التي قبلتها الولايات المتّحدة. لكنّ مصر، جدّدت رفضها لها ولبقاء قوّات الاحتلال في رفح، وفي ممرّ فيلادلفيا. والمفارقة أنّ بلينكن توقّع أن يقبل الفلسطينيون ما ترفضه مصر، تحت ضغط الإبادة الجماعية لإحراج القاهرة وإخضاعها بالمحصّلة لإرادة نتنياهو. لذا إنّ بلينكن يعمل في الواقع كعميل صهيوني، يتواطأ مع "تلّ أبيب" للحفاظ على سيطرتها على الحدود بين غزّة ومصر، في انتهاك صارخ لاتّفاقية "كامب ديفيد" الشهيرة.
وفي تصريحه المشوّه بشأن إعادة صياغة شروط نتنياهو، ذهب بلينكن إلى أبعد من ذلك حين ألمح إلى أنّ معاناة 2.3 مليون فلسطيني في غزّة هي نتيجة لرفض المقاومة قبول الإملاءات الأميركية الإسرائيلية الجديدة، وليس نتيجة للحرب الخبيثة التي تشنّها "الدولة" الصهيونية. وبعبارة أخرى، الفلسطينيون برفضهم مطلب نتنياهو بالاستسلام، يتحمّلون اللوم على الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحقّهم.
كذلك، حاول بلينكن إعادة صياغة تبنّي إدارة البيت الأبيض للشروط الجديدة على أنّها اقتراح أميركي. لكن، سرعان ما كشف نتنياهو عن تحريف بلينكن لما جرى الاتّفاق عليه من خلال رفضه أيّ اقتراح لوقف إطلاق النار الدائم والإصرار على سيطرة "دولة" الاحتلال على حدود غزّة مع مصر. وهذا ما أكّدته شبكة "سي أن أن"، التي أفادت بأنّ نتنياهو ما زال على موقفه بشأن استئناف الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وأنّ ما يسمّى "اقتراح بلينكن" الجديد ليس ليس إلّا دعوة إلى اتّفاق جزئي فقط.
يجب على أيّ مسؤول أميركي من أيّ مستوى إظهار القليل من احترام الذات والخجل، من مواصلة نتنياهو إحراج بلينكن وكشف شراكة الولايات المتّحدة الكاملة بالإبادة الجماعية الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين. وناهيك عن نفاق بلينكن، يبدو أنّ إذلال نتنياهو المتعمّد لإدارة بايدن هو جزء من تدخّل "تلّ أبيب" المثير في التنافس الانتخابي الرئاسي، وربّما بالتنسيق مع حملة دونالد ترامب، بهدف تصوير بايدن على أنّه ضعيف من خلال تقويض وقف إطلاق النار، حتّى لا يستفيد منه المرشّح الديمقراطي في صناديق الاقتراع في الانتخابات الأميركية المقبلة.
ورغم ذلك، تواصل إدارة بايدن توفير غطاء سياسي لـ "إسرائيل" لجرائمها من خلال تداول روايات كاذبة عن تقدّم لا أساس له في المفاوضات مُنذ أواخر شباط/فبراير الفائت. ويتقاسم بايدن، والآن كامالا هاريس إلى جانب نتنياهو، حاجة مشتركة إلى إدامة هذه المحادثات التي لا نهاية لها. هاريس، لديها أسباب انتخابية، ونتنياهو، لتعظيم معاناة الفلسطينيين ودفعهم نحو الاستسلام.
على هذا، دعوة إدارة بايدن لوقف إطلاق النار جوفاء مثل قنديل البحر، وغير صادقة مثل اعتذار ترامب. فهو يدعو إلى وقف إطلاق النار، بينما يواصل توفير الوقود لتأجيجها. وفي الأسبوع الجاري على سبيل المثال، رفعت إدارته من مستوى تغذية الحرب إلى مُعلّم جديد من خلال تسليم "الدولة" الصهيونية 50 ألف طنّ عبر 500 رحلة بإطار الجسر الجوّي، أي ما يقرب من شحنتين يوميّاً منذ نحو 10 أشهر.
وبدافع من مصلحة "دولة" الاحتلال الإسرائيلي فقط، اتّبعت إدارة بايدن استراتيجية من شقّين؛ الأوّل، هو استخدام المفاوضات للتهرّب أو تأخير أو تخفيف أيّ ردّ على العدوان الإسرائيلي على بيروت وإيران واليمن. والثاني، منح "إسرائيل" حرّية التصرّف في تعميق مُعاناة المدنيّين الفلسطينيين، من أجل ابتزاز المقاومة والضغط عليها لقبول شروط نتنياهو بالاستسلام.
ولكنّ هذه الاستراتيجية ليست مستدامة. فالردّ الأوّلي الذي قام به حزب الله في وقت سابق من هذا الأسبوع كان بمثابة مقدّمة، تجسّدت في تحذير صارخ من المزيد من الأعمال الانتقامية. فقد وصلت مجموعة من طائرات حزب الله المسيّرة إلى أهدافها العسكرية في ضواحي "تلّ أبيب"، حاملة رسالة واضحة مُفادها أنّ مفاوضات وقف إطلاق النار في المستقبل ربّما لن تدور حول غزّة فقط.
نقله إلى العربية: حسين قطايا