"واشنطن بوست": اعتماد الهند المتزايد على الصين يشكل تحدياً لأميركا
كانت الشركات الأميركية التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على الصين تتطلع بشكل متزايد إلى الهند كمركز تصنيع جديد، لكن أصبح الاقتصاد الهندي نفسه أكثر اعتماداً على الواردات الصينية.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر تقريراً للصحافية الهندية لديها، كاريشما مهروترا، تتحدث فيه عن اعتماد الهند المتزايد على الصين في صناعاتها، الأمر الذي يشكّل بحسبها، تحدياً لاستراتيجية التجارة الأميركية.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
كانت الشركات الأميركية التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على الصين تتطلع بشكل متزايد إلى الهند في السنوات القليلة الماضية كمركز تصنيع جديد، وكتحوط ضد الاضطرابات المحتملة في سلاسل التوريد الصينية الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين البلدين.
ولكن مع قيام الهند بتكثيف إنتاجها من السلع مثل الهواتف الذكية والألواح الشمسية والأدوية، أصبح الاقتصاد الهندي نفسه أكثر اعتماداً على الواردات الصينية، وخاصة للمكونات التي تدخل في هذه المنتجات، وفقاً لأرقام التجارة والمحللين الاقتصاديين.
وفي هذا السياق، قال الأستاذ المساعد في جامعة "جيندال" الهندية، سريبارنا باتاك، الذي يركّز على العلاقات الهندية الصينية، إنّه "ما لم تتوقف الصين عن كونها الطرف الثالث الذي تأتي منه المكونات، فلن يتحقق الهدف الأميركي بإزالة المخاطر".
وبحسب مبادرة أبحاث التجارة العالمية، وهي مؤسسة بحثية هندية، فإنّ واردات الهند من الصين تنمو بمعدل أسرع مرتين من وارداتها الإجمالية، وتشكل الآن ما يقرب من ثلث الواردات الهندية في صناعات تتراوح من الإلكترونيات والطاقة المتجددة إلى الأدوية. وتشمل هذه الواردات المنتجات النهائية وكذلك السلع الوسيطة للتصنيع.
وتقول اتحادات الصناعة الهندية إنّ ما يقرب من ثلثي واردات الهند من المكونات الإلكترونية، مثل لوحات الدوائر والبطاريات، تأتي الآن من الصين. وطبقاً لتقارير معهد "جي تي آر آي"، تضاعف حجم هذه الواردات الصينية ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الماضية.
ومن عام 2007 إلى عام 2022، نمت حصة الصين في الواردات الهندية من المواد الكيميائية والأدوية بأكثر من 50% وعلى مدى السنوات الخمس الماضية فقط، ارتفعت الواردات الهندية من الصين من المكونات الصيدلانية ومنتجات الأدوية الوسيطة الأخرى بأكثر من النصف، وفقاً لتقرير معهد "جي تي آر آي".
لدعم إنتاج المنسوجات والملابس الهندية، وهي صناعة تصديرية مهمّة أخرى، عملت الهند على زيادة وارداتها من الخيوط والأقمشة من الصين. حتى صناعة السيارات - التي تعتبر قصة نجاح لكل من المبيعات المحلية والتصديرية - زادت من وارداتها من أجزاء وإكسسوارات المركبات من الصين.
كما هو الحال مع الإلكترونيات، قطعت الهند خطوات كبيرة في إنتاج الألواح الشمسية ولكنها تعتمد الآن بشكل أكبر على الخلايا الشمسية الصينية التي تدخل فيها.
وبعد أن قيّدت الولايات المتحدة واردات مواد الألواح الشمسية الصينية، ارتفعت صادرات الألواح الشمسية الهندية إلى السوق الأميركية في عام 2022، حيث زادت قيمتها بنحو 150%، وفقاً لأرقام التجارة الحكومية الأميركية. وشهد العام التالي زيادة أكثر حدة. ولكن خلال تلك الفترة، استوردت الهند ما بين نصف وجميع مكونات الألواح الشمسية الخاصة بها - مثل الوحدات والخلايا والرقائق والزجاج الشمسي - من الصين بين عامي 2021 و2023، وفقاً لتقرير لوكالة "بلومبرغ" في نهاية العام الماضي.
وتستمر الهند أيضاً في الاعتماد على روسيا في الحصول على النفط الخام، على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. كما تظل أغلب معدات الدفاع الهندية من موسكو، على الرغم من أنّ لديها موردين آخرين.
وبينما حاولت الهند إنتاج مكوّناتها الخاصة للسلع المصنّعة، ظلت تعتمد على الصين في الحصول على الخبرة. وضغط ممثلو الصناعة الهندية على الحكومة لتخفيف القيود المفروضة على تأشيرات الدخول للفنيين الصينيين حتى يتمكنوا من مساعدة الهنود على استخدام الآلات الصينية لصنع الهواتف الذكية وكذلك المنسوجات وحتى الأحذية.
واقترح كبير المستشارين الاقتصاديين للحكومة الهندية، في أنانثا ناجيسواران، تخفيف القيود المفروضة على الاستثمارات الصينية. وقال المسح الاقتصادي الأخير الذي أعده مكتبه: "من أجل تعزيز التصنيع الهندي وربط الهند بسلسلة التوريد العالمية، من المحتم أن تربط الهند نفسها بسلسلة التوريد الصينية".
وكانت أغلقت الهند أبوابها أمام الاستثمارات الصينية بعد اشتباك قوات البلدين على طول الحدود في جبال الهيمالايا في لاداخ في عام 2020، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 جندياً هندياً وأربعة جنود صينيين، وإشعال مقاطعة واسعة النطاق للسلع الصينية.
ومنذ عام 2020، تم تقييم مقترحات الاستثمار الصينية وتلك من الدول المجاورة الأخرى، والتي تقول أرقام الحكومة والصناعة إنها بطيئة. لكن في الأشهر الأخيرة، يبدو أنّ تصرفات الحكومة الهندية تظهر بعض التخفيف. ففي آب/أغسطس، على سبيل المثال، أصدرت الهند إرشادات جديدة لتسريع التأشيرات من الصين.
وفي إشارة إلى التطورات الاقتصادية والأمنية، كتب تشانغ جيادونغ، مدير مركز دراسات جنوب آسيا في جامعة "فودان" الصينية، مؤخراً في صحيفة "غلوبال تايمز" أنّه "على الرغم من أن التحسن في العلاقات الصينية الهندية جاء متأخراً عن المتوقع، إلا أنه وصل أخيرًا".
ويتفق المحللون على أنّ الإمدادات الصينية تظل حاسمة لتطلعات التصنيع في الهند. وقال إندراني باجشي، خبير السياسة الخارجية والرئيس التنفيذي لمركز "أنانتا" في نيودلهي: "بغض النظر عما نقوله، فإنّ الحقيقة هي أنّ الصين هي أكبر مصنع للمكونات. لا مفر من ذلك".
نقلته إلى العربية: بتول دياب