"فورين بوليسي": نتنياهو يعرقل المفاوضات.. لكنْ لدى بايدن حلّ آخر
تبدو طريق المفاوضات مسدودة، لكنْ لدى الرئيس الأميركي جو بايدن حل آخر.
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ميكي بيرغمان، الرئيس التنفيذي لمنظمة "غلوبال ريتش" التي تساعد في إعادة الأسرى الأميركيين الذين يتم اعتقالهم في دول العالم، يتحدث فيه عن النمط الذي يعتمده رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لعرقلة المفاوضات.
ويقترح الكاتب أن يقوم الرئيس الأميركي جو بايدن بالتفاوض مع حماس عبر الوسطاء للتوصل إلى اتفاق مصغّر لتحرير الأسرى الأميركيين الإسرائيليين من غزّة، الأمر الذي قد يجبر نتنياهو على القبول بالمقترح الأميركي لوقف الحرب، لما له آثار سياسية سلبية فيه، بحسب رأيه.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
مع اقترابنا من مرور عام على أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حان الوقت للاعتراف بأن الأساليب التي تم اعتمادها حتى الآن لإطلاق الأسرى الإسرائيليين والأميركيين في غزّة لم تنجح.
الرئيس الأميركي جو بايدن فشل في جعل الأطراف تتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ومحاولات الإنقاذ الإسرائيلية للأسرى لم تحقق سوى نجاح محدود. كما أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه السلطة للموافقة على إطلاق سراحهم، ولكنه اختار مراراً وتكراراً عدم القيام بذلك.
منذ كانون الأول/ديسمبر، كان هناك اقتراح على الطاولة لتبادل الأسرى الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. يستند هذا الاقتراح إلى وقف إطلاق النار وإلى مسار محدد دبلوماسي لوقف الحرب. كانت هذه الصيغة الوحيدة التي يمكن أن تضمن عودة جميع الرهائن من غزة.
لن يوافق السنوار على التغيرات في الخطوط العريضة الأساسية للصفقة. وعلى عكس ادعاءات نتنياهو، فإنّ الضغوط العسكرية لا تنجح معه.
إنّ استمرار الحرب يزيد نزع الشرعية عن "إسرائيل" دولياً، وزعيم حركة حماس يحيى السنوار يفضّل الموت على تسليم الأسرى من دون ضمان نهاية للحرب.
من جانبه، لا يبدو نتنياهو مهتماً حقاً بصفقة الأسرى، لأنها تعرض بقاءه السياسي للخطر. وما دام هناك أسرى في غزة، فإن لديه مبرراً لمواصلة الحرب. وما دامت الحرب مستمرة، فيمكنه تأجيل المطالبات بتشكيل لجنة تحقيق، وإجراء انتخابات مبكرة، ومحاسبة سياسية أوسع نطاقاً. لقد أشرف نتنياهو على أكبر خسارة في أرواح المدنيين الإسرائيليين في يوم واحد منذ الهولوكوست، وطريقته الوحيدة للبقاء سياسياً هي إدامة الحرب. وفي حين يتظاهر نتنياهو بالولاء للأسرى، فإنّه يخرب بنشاط أي فرصة للتوصل إلى اتفاق.
وقد فعل نتنياهو هذا طيلة عملية التفاوض من خلال تقديم مطالب جديدة بشكل متكرر. وكان أحدث مثال على ذلك هو إصراره على الحفاظ على السيطرة الإسرائيلية على الحدود بين غزة ومصر، والتي تطلق عليها "إسرائيل" اسم ممر فيلادلفيا. وقال نتنياهو إنّ الاحتفاظ بالممر ضروري لمنع حماس من إعادة التسلّح، لكن يعتقد رؤساء الأمن الإسرائيليون أنفسهم أنّ من الممكن منع تدفق الأسلحة من مصر من دون الحفاظ على وجود عسكري هناك.
وأمر نتنياهو باتخاذ إجراءات عسكرية استفزازية في عدة مراحل عندما بدا أنّ المفاوضات قد تتقدم؛ ففي مطلع كانون الثاني/يناير، عندما كانت صفقة الأسرى المكوّنة من ثلاث مراحل تكتسب زخماً، أذن نتنياهو باغتيال نائب زعيم حماس صالح العاروري في بيروت، الأمر الذي أدّى إلى توقف المحادثات.
مطلع نيسان/أبريل، عندما حققت الولايات المتحدة ومصر وقطر اختراقاً في صفقة الأسرى، أسفر هجوم إسرائيلي في شمال غزة عن مقتل ثلاثة أبناء وأربعة أحفاد لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، وتوقفت المفاوضات. إنّ هذا النمط واضح لا لبس فيه؛ ففي عدة مناسبات خلال الأشهر القليلة الماضية، التزم نتنياهو باتفاق في اجتماعات خاصة مع بايدن أو أعضاء فريقه، لكنه سرعان ما غيّر موقفه علناً.
لقد شاركت في مفاوضات تبادل الأسرى لفترة طويلة. لذا، يمكنني أن أقول: "عندما تكون هناك فجوات بين الجانبين وتريد أن تنجح المفاوضات، فإنك تؤكد القواسم المشتركة في تصريحاتك العامة، وإذا كنت تريد فشل المفاوضات، فإنك تتحدث علناً عن الفجوات، ومن الصعب تجاهل حقيقة أنّ نتنياهو لا يتحدث إلا عن الفجوات".
من الخارج، يبدو هذا بالتأكيد كأنّه طريق مسدود، ولكن هناك طريقة أخرى.
يتعين على بايدن أن يضع جانباً، في الوقت الحالي، الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق شامل بشأن الأسرى والتركيز على إعادة الأميركيين الأربعة المحتجزين في غزة. وتم أسر أربعة أميركيين آخرين في 7 أكتوبر، ولكن تم تأكيد مقتلهم منذ ذلك الحين. وينبغي له أن يفعل ذلك بسرعة، قبل أن يُقتَلوا أيضاً نتيجة سياسات نتنياهو الأنانية.
إنّ حماية سلامة المواطنين الأميركيين هي المسؤولية الأولى لأي رئيس أميركي. وفي محاولة التوصل إلى اتفاق أكثر محدودية، فإنّ بايدن قد يكسر الجمود ويدفع الجانبين نحو اتفاق أوسع نطاقاً.
في ما يتعلق بشروط الصفقة، قد يتساءل البيت الأبيض عما يمكن أن يقدمه لحماس في مقابل الأميركيين. بعد كل شيء، لا تستطيع الولايات المتحدة وقف الحرب، ولا يوجد لديها سجناء من حماس للإفراج عنهم، ولكن لن يكون هذا النوع من الصفقة حول ما يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه لحماس، وبدلاً من ذلك، سيكون حول المكاسب الاستراتيجية التي يمكن لحماس تحقيقها من خلال إبرام صفقة مع الولايات المتحدة.
من وجهة نظر حماس، من المحتمل أن يؤدي الاتفاق إلى تأجيج التوترات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، وبالتالي تعزيز مصالح المجموعة، وسوف يظهر ذلك نتنياهو كمعرقل. جميع الأميركيين الأربعة الأسرى في غزة هم أيضاً إسرائيليون. إنّ إطلاق سراحهم من شأنه أن ينعكس بشكل سيئ على نتنياهو، ويظهر أنّ بايدن كان على استعداد لفعل المزيد من أجل الإسرائيليين أكثر من زعيمهم.
بالطبع، يمكن لمعارضي بايدن السياسيين وصم المبادرة بأنها خيانة لـ"إسرائيل" في لحظة حساسة، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر.
إنّ الاتفاق - أو حتى مجرد احتمال معقول لاتفاق - قد يجبر نتنياهو على قبول إطار صفقة الرهائن الأكبر. ببساطة، قد يكون من غير المجدي سياسياً بالنسبة إلى نتنياهو أن يتم تجاوزه من قبل بايدن، وأن يؤمن الأخير إطلاق سراح أسراه الأميركيين، وسيكون الضغط من الشارع الإسرائيلي هائلاً.
كان بايدن صديقًا لـ"إسرائيل" طوال حياته السياسية، وسيكون العرض العام للتوتر والخلاف خارج شخصيته، لكن صفقة منفصلة لإعادة الأسرى الأميركيين لن تقطع العلاقات مع "إسرائيل". وبدلاً من ذلك، فإنها تؤكد أنّ المصالح الأميركية لا يمكن أن تكون تابعة لمصالح قوة أجنبية، حتى لو كانت حليفة وثيقة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب