"الحكواتي الشبابي".. إحياء التراث السوري بروح معاصرة
"الحكواتي الشبابي" مشروع لإعادة إحياء التراث السوري بأساليب عصرية وروح شبابية.. ما تفاصيله؟
تعيد دمشق إحياء فن الرواية القديم بروح جديدة، والرهان هذه المرة على الشباب في صورة قد تبدو بعيدة عن تلك التي تناقلتها مخيلة الموروث الشعبي لأعوام من دون تغير. فكان الحضور الشاب عنصراً لافتاً لم يقتصر على سرد الحكاية، بل تجاوزها ليغطي مساحة واسعة من الجمهور، في تجربة غير مألوفة كسرت النمط السائد.
هكذا استضاف "غاليري مصطفى" في دمشق، الشهر الفائت، أمسية بعنوان "حكايتنا حكاية"، قدمها شباب من طلاب التمثيل في معهد "دراما رود" تحت إشراف وئام الخوص، بهدف إحياء فن "الحكاية الشعبية" بروح شبابية، الأمر الذي أسفر عن إحداث مشروع بعنوان "الحكواتي الشبابي".
"الحكواتي الشبابي" مشروع واعد لإحياء التراث
دمشق، المدينة العريقة التي تحمل حكايات من أزمان متعددة، جعلت سرد ماضيها، عبر الحكايات والحكواتي، روحاً تتجدد ورحلة خاصة. في هذا الإطار، وضعت المخرجة وئام الخوص تفاصيل مشروع "الحكواتي الشبابي"، الذي يهدف إلى تثقيل خيال الممثلين الشبان وتعليمهم فن التأثير بالكلمات، من دون الاعتماد على الإضاءة أو الموسيقى كعنصر أساسي لا تكتمل من دونه الحكاية. الأمر الذي ضاعف التحدي ووضع الشبان أمام رهان واسع تمكنوا من خلاله من تقديم فن مختلف وسّع مفاهيم السرد وتقديم الرواية.
في تصريح خاص لـ"الميادين الثقافية" عبّرت الخوص عن شغفها بتعليم فن الحكواتي، مؤكدة أهمية تثقيل خيال الممثلين وتعليمهم فن التأثير والتواصل مع الجمهور بالكلمات، كواحدة من العلوم التي تعتمد على فنَّي الكلام والاستماع، مشيرة إلى ضرورة الاهتمام بقيمة التراث السوري وأهميته في إصرار لافت على تقديم الفن إلى الجمهور على رغم الظروف الصعبة.
وتضيف الخوص أن فكرة المشروع بدأت من رغبة في إحياء فن الكلام والحكاية الشعبية. وتقول: "بدأت رحلتنا مع "حكايتنا حكاية" من خلال إيماننا بأن لكل حكاية في عالمنا حكاية أخرى يحملها صاحب القصة بصورة لا تشبه مثيلاتها وإن تقاطعت التفاصيل، جمعنا في ملتقى الحكايات التربوي في الأردن مجموعة من الحكواتيين من الأردن وسوريا، كان من بينهم طلاب النقد الأدبي وشبان من مختلف التجمعات، كلٌّ منهم يحمل حكاية من بلده يسردها بصورة مغايرة حملتها العائلة معها عبر الزمن".
"الحكايات لا ينفصل بعضها عن بعض، فكل حكاية تفتح نافذة على حكاية أخرى. وفي "حكايتنا حكاية"، أردنا أن نظهر كيف تعيد الحكايات إحياء تراثنا وتلهمنا تجارب الماضي"، بحسب الخوص التي أوضحت أنه "في الجانب الاكاديمي، ونعني به التمثيل، أردت أن أُشرك الشبان في إحياء التراث من خلال "فن الكلام"، فكانت الفكرة الأصلية هي إحياء التراث من خلال الحكايات التي لها سحرها الخاص الذي يثير اهتمام الجمهور ويشركه في العالم الخيالي الذي تقدمه، وخصوصاً أنها لا تقتصر على القصص، بل تعكس ثقافة الشعوب وتاريخها، ومصطلحاتها الخاصة ومفرداتها، التي تعيد إحياء التراث اللغوي لأي شعب".
العلاقة بين الشباب والتراث.. لغط كبير
وتعتقد الخوص أن هناك لغطاً كبيراً بشأن تأكُّل الروابط بين جيل الشبان وتراثهم، بينما الحقيقة عكس ذلك. وتقول: "كنت أرغب في إحياء تراثنا الشعبي بطريقة مغايرة وممتعة، والدراما وسيلة متفردة لإحياء التراث، فهي تجعلنا نستعيد عادات وتقاليد كل بيئة وفي كل عصر، وأردت أن أشارك طلابي في هذه التجربة، وأن أشجعهم على الاستماع إلى صوت التراث، وكتابة قصصهم الخاصة".
وتضيف "في البداية كنت أشعر بأنهم غير متحمسين وفق الانطباع السائد، لكن مع مرور الوقت بدأت ألاحظ تغيراً في سلوكهم، بحيث بدأوا يتفاعلون مع المادة بصورة إيجابية، كأنهم اكتشفوا جانباً جديداً من أنفسهم. كانت بروفاتنا عبارة عن عروض خاصة، بحيث كان كل طالب يقدم حكايته بطريقته هو ومن وحي روحه وشخصيته. فوجئت حقاً بالشغف الذي شعروا به تجاه الحكايات، والتفاعل الإيجابي الذي أظهروه، كانوا مشتاقون حقاً إلى نوع من الألفة والود الحقيقيين، بعيداً عن الضغط الأكاديمي".
واستطاعت هذه التجربة أن تثبت للخوص أن الجيل الجديد يهتم بالتراث وقادر على فهمه والاستمتاع به وإعادة سرده وإحيائه عبر طرائقه الخاصة. وإذا كان التدريب في الحدائق العامة وسيلة للتحايل على الظروف التي حكمت فترة التحضير، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى تجربة رائعة وفق ما أعلنت الخوص، التي أضافت "شعرنا بسعادة غامرة وانضم إلينا طلاب لم يكونوا على دراية بهذه الحدائق من قبل، وحضر الناس بروفاتنا بشغف، وأصبح اختيارنا لها ليس اضطراراً بل بات خياراً أولياً وقراراً استمتعنا به ونتمنى تكراره".
ورأت الخوص أن لا دور واضح للمؤسسات الثقافية السورية في دعم فن الحكواتي في ظل الأوضاع الصعبة حالياً، مؤكدة أنها لم تطلب دعماً من وزارتي الثقافة أو السياحة "لإنجاز عرضنا"، بل "أنجزناه بمجهودنا الخاص، ونعتمد على أنفسنا في العمل على استمراره".
"الحكواتي" ليس رجلاً دائماً
تصف الحكواتية راية سمرة أهمية تجربتها بالقول: "كنت متحمسة جداً للفكرة، وخصوصاً أنني أحب التراث اللامادي وأهتم به بشكل كبير، لذلك أشعر بأن إعادة إحياء التراث بطريقة معاصرة تُعَدّ فرصة رائعة. فمثلاً اعتدنا أن يكون الحكواتي رجلاً، بينما كان هناك مجموعة من الفتيات، كما أعتدنا أن يكون هناك حكواتي واحد، لكننا كنا مجموعة نقوم بسرد القصص".
وأضافت: "اكتسبنا كثيراً من الخبرات من خلال تجربة الحكاية، ولاحظت حضوراً كبيراً من الشبان المهتمين بهذه التجربة، الأمر يدل على أهمية هذه الفئة العمرية في نقل وإحياء التراث السوري".
من جانبه يقول الحكواتي الشاب، علي مرادني: "أثار إعجابنا عمق النصوص التي قدمتها الأستاذة وئام الخوص، كانت مجموعة من الحكايات الرائعة حقاً. كانت تجربة التعلم ممتعة للغاية ومفيدة، تعلمت منها شخصياً أشياء على الصعيد الشخصي وليس فقط على الصعيد الفني، فكان عرضها جميلاً ومتماسكاً وممتعاً لنا كفريق".
وأردف: "لقد تطور لدينا حسّ الخيال واكتسبنا مهارة استخدام المفردات، لأن الحكواتي يعتمد على الكلام بصورة أساسية. الكلمة هي أهم أدوات الحكواتي، بالإضافة إلى مهارات القيادة".