نحت سوري في "البيت الأزرق": تشكيل للحياة في وجه الحرب

غاليري "البيت الأزرق" في دمشق يستضيف "معرض النحت السوري"، في مسعى لتوفير منصة للنحاتين السوريين كخطوة رمزية لتجاوز التحديات الاقتصادية وتحقيق استمرارية الفن.

في بيت دمشقي بنوافذ زرقاء مقوسة في حي ساروجة العريق، تتشكل لوحة سورية قوامها التاريخ والعراقة والجمال والموروث الفني، وذلك في إطار الدورة الثالثة من "معرض النحت السوري"، الذي استضافه غاليري "البيت الأزرق" في 11 آب/أغسطس الجاري، حيث أبرز صورة مختلفة تجعل من إصرار الفنانين بالحفاظ على ارثهم الفنيّ حالة خاصة،  وتفتح رهاناً واسعاً على دور الفنون في الازمات.

ومن بين النحاتين المشاركين: أيمن حميرة، وعبد الله مراد، وبتول خواندي، وبديع جحجاح، وعماد قاشوط، وفؤاد دحدوح، وغاندي خضر، وغسان صافية، وغزوان علاف، وهادي عبيد، وحسام نصرة، وجايكوب إبراهيم، ومحمد باجنو، وأبيّ حطوم، وعلا هلال، وفارتكس بارصوميان، وغيرهم.

أيمن حميرة: النحت يحييني.. وهكذا نواجه الحرب

النحات أيمن حميرة الذي اغترب طويلاً عن سوريا، يعود بشغف كبير ليساهم في الحراك الفني القائم في البلاد حالياً، بعد خبرته في الخارج،  ويشارك في المعرض بــ 6 أعمال من النحاس بتقنية فريدة رغم أنها لم تكن سهلة التطبيق بسبب الظروف اللوجستية.

وعن هذه المجموعة يقول حميرة "أشارك بمجموعة أعمال نحتت من مادة النحاس بشكل كامل. يوجد أعمال نحاسية كثيرة في تاريخ الفن السوري لكن ليس بهذا التشكيل المباشر. حاولت تقديم شيء جديد بأدوات جديدة وتعبيرات جديدة قد تكون مناسبة للظروف، فابتكرنا تقنيات تمكننا من النحت خاصة في ظل انقطاع الكهرباء".

حميرة الذي يواجه ووزملاؤه النحاتون تحديات يومية يصر على النحت. فالأخير بالنسبة له فعل وجودي، كما يصف. ويجيب على سؤالنا عن سبب استمراره في النحت رغم قساوة الظروف بالقول: "لا أستطيع أن يمر شهر من دون أن أنحت. هذا يخنقني. بالرغم من أن بعض الاعمال قد تبقى لسنوات في ورشتي من دون أن ترى النور، علماً أنني اضطر أحياناً للاختيار بين الإنفاق على منحوتتي أو على المنزل، إلا أن فعل النحت يحييني".

ويشير الفنان حميرة  في حديثه مع "الميادين الثقافية" إلى أنّ الظروف المادية والاقتصادية الصعبة تشكل واحدة من أكبر التحديات وتجبر الفنانين على الاختيار بين الاستمرار في الفنّ أو تلبية احتياجاتهم الأساسية. لكن تجربة غاليري "البيت الازرق" جاءت لتشكل بارقة أمل تسعى عبر تقديم الدعم للفنانين السوريين وإبراز أعمالهم وتسويقها.

"البيت الأزرق": مساحة إبداع حرة 

يعتبر غاليري "البيت الأزرق" من أهمّ المراكز الفنية في دمشق، ويسعى إلى توفير منصة للنحاتين السوريين لعرض أعمالهم وتقديمها للجمهور في خطوة رمزية لتجاوز التحديات الاقتصادية وتحقيق استمرارية الفن.

مدير  الغاليري، سامر العيد، يؤكد أن معرض "النحت السوري" بدورته الثالثة يشكل محاولة مستمرة ودؤوبة لتسليط الضوء على فنّ النحت لمواجهة واقع التهميش والاهمال، حيث يرى أنّ الصعوبات التي تواجه الفنانين السوريين اليوم كبيرة، لكن لا يزال هناك ما يمكن فعله لتغيير الواقع.

ويؤكد العيد مع مقابلة مع "الميادين الثقافية"، أن الغاليري "يسعى لتقديم تجربة فنية مميزة تجمع بين التسويق للنحت السوري وتوفير متنفس إبداعي للنحاتين، خاصة أن دور العرض والجمهور غالباً ما يهتمون بالرسم والتصوير على حساب النحت".

ويضيف: "معارض النحت التي نقوم بها هي معارض جماعية تضم مجموعة كبيرة من النحاتين في سوريا من أجيال ومدارس مختلفة وتهدف لإبراز فن النحت، المظلوم نسبياً بسبب صعوبات إنتاج العمل النحتي".

ويستضيف الغاليري أعمال 24 نحاتاً من بينهم أسماء كبيرة وأخرى جديدة، يصر العيد على توفير الفرصة لها لحجز مكانها في المشهد التشكيلي السوري.
  
ويسعى الغاليري لتنويع نشاطاته الفنية سواء عبر المعارض أو الورشات، حيث استضاف خلال 3 سنوات أكثر من 30 نشاطاً فنياً منوعاً، تجتذب العديد من المهتمين بالفنون والنقاد والصحفيين والشباب والشابات الذين يزورون المكان بتواتر للاستمتاع بسحر الحالة الدمشقية والتقاط الصور. فالغاليري يقع في منطقة ساروجة ذات التاريخ العريق والتي كانت تسمى في ما مضى بــــ "اسطنبول الصغرى" لكثرة العائلات التركية الاستقراطية التي قطنتها.

وعن فكرة تحويل هذا المنزل الدمشقي العريق لدار فنون، يقول العيد إنها كانت موجودة منذ زمن. فشغفه وعائلتيه بالفن دفعهم لتكريسه للفن، علماً أن البيت اكتسب اسمه من نوافذه الزرقاء، وطابقيه وشرفاته الصغيرة وسقوفه العالية وقناطره وزخارفه الساحرة وأشجاره وارفة الظلال، إذ يمثل ملجأ لابا للتفكر والخلق بعيداً من صخب المدينة.
 
ورغم تعقيد المشهد وغياب الدعم الكافي، يؤكّد كلّ من حميرة والعيد على أنّ المستقبل واعد أمام المسار الفني للنحت السوري وللفنّ  السوري التشكيلي بشكل عامّ.  

ويشير العيد إلى أنّ الغاليري يخطّط لعقد مجموعة من المعارض الفنية المختلفة في المستقبل، بينما يحرص حميرة على الاشارة إلى أنّ الجمهور السوري يظهر اهتماماً كبيراً بالفنّون رغم الواقع المتواضع وطغيان الاولويات المعيشية على تذوق الفن وغياب الاهتمام المؤسساتي الكافي.