هل فشل الدعم الدولي والعربي لـ"إسرائيل" في بلوغ أهدافه
تقوم الفلسفة التأسيسية لـ"إسرائيل" على هدف "فلسطين من دون فلسطينيين". يهدف الساسة الإسرائيليون إلى نكبة جديدة عبر طموح لا يمكن كبته؛ بعبارة أخرى، من أجل تكرار للحملة الإرهابية والترحيل والإبادة الجماعية كما حدث عام 1948.
انحصرت إدارة الحرب الإسرائيلية على غزة في اختيار المدخل العسكري، ولم يتضح لغاية اليوم الهدف السياسي من إطالتها سوى الهروب إلى الامام عبر مزيد من القتل، بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها.
وإذا كانت الحرب عبارة عن مشروع لتحويل المدخلات التكتيكية إلى مخرجات استراتيجية، هدفها استعادة القوة، فإن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية لا يندرج في محاولة إثبات أنها لا تزال قوة إقليمية أو أنها قادرة على إحداث تغيير استراتيجي، بل إنها تستخدم الدعم المقدَّم إليها من أجل تحقيق مشاريعها الخاصة. فهل سيسمح لها حلفاؤها بكسر قواعد التحالف وأهدافه والخروج بمشروع لا يتلاءم مع طموحاتهم، كداعمين دوليين وعرب؟
إن كانت استراتيجية "إسرائيل" تتلخص في إطاحة حماس والعمل على انهيار قدراتها العسكرية والتنظيمية والحكومية، فهي لم تحدد سياسة اليوم التالي ومآل الوضع في غزة. وبدا واضحاً أن الجهد العسكري يفتقر إلى الاتجاه وخط النهاية، مع العلم بأن أهداف الحرب والظروف التي سادت، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، شهدت تحالفاً مع القوى الدولية. ولم يكن في وسع "إسرائيل" القيام بالحرب بمفردها، بل تطلّب الأمر تعاون الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية الحليفة لها.
الشرط الأساس لحلفائها جميعهم كان النجاح في ضمان اليوم التالي في غزة، والذي لم يرَ النور بعدُ، بل استمرت سياسة الهدم من دون أهداف استراتيجية. لا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنهاء الحرب من أجل بقائه السياسي. ويرى حلفاء "تل أبيب" أن وقف إطلاق النار ضروري لإزالة سيناريوهات الصراع الإقليمي، وإعادة إرساء استراتيجية من شأنها تأمين "إسرائيل". خرج نتنياهو بشروط إضافية ضربت وقف إطلاق النار والحديث عن التحول إلى اليوم التالي.
أراد شركاء "إسرائيل" الدوليون النجاح في التخلص من حماس. وعند الانضمام إلى مساعدتها توحدت مواقفهم ومصالحهم الأساسية، وكان هذا يفترض التزام "إسرائيل" أخذ مصالحهم في الحسبان. بدأت الحرب بانحياز غير مسبوق من جانب الولايات المتحدة والغرب والدول العربية إلى جانب "إسرائيل"، ولم يحصل حلفاؤها على النتائج المرجوة، بل اتّبعت "إسرائيل" استراتيجية هجومية في غزة وفي الضفة الغربية بعيداً عن الأفق المطلوب.
لم تلتزم الحكومة الإسرائيلية شروط حلفائها. رفضت إجراء حوار بشأن من سيحكم غزة ويحل محل حماس، وأرسلت رسائل متطرفة، وقامت بممارسات لاإنسانية وبإبادة جماعية للمدنيين، وتسببت إدارتها للبعد "القانوني" بضرر أدى إلى الطعن في قدرتها على ادارة الحرب وعلى تسخير المجتمع الدولي لتحقيق أهداف الحرب، فلم يقرّبها سلوكها من تحقيق أهداف الحرب، بل تم إحداث الضرر في علاقة "إسرائيل" ببعض شركائها من دون أي فائدة تعويضية.
تحول "إسرائيل" عن أهداف تحالفاتها
عمل تجنب التفاوض السياسي على الحد من قدرة "إسرائيل" على التأثير في العمليات السياسية على رغم الدعم الذي قدمه حلفاؤها إليها في الدفاع ضد الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران في نيسان/أبريل ردّاً على الاعتداء على السفارة الإيرانية في دمشق، ومقتل سبعة من مستشاريها.
كان الهمّ الأساسي لحلفائها التركيز على غزة، بينما وسع نتنياهو أهدافه لتطال إيران. عمل الحلفاء الدوليون على ضمان حماية حرية الملاحة، وتوريد الأسلحة الأساسية، وتمويل الحرب، وخلق الظروف اللازمة في النظام الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن نتنياهو استغل الدعم، دولياً وعربياً، وذهب إلى توسعة الحرب عبر اغتيال إسماعيل هنية في طهران والسيد فواد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
إذا افترضنا أن استراتيجية حماس، في السابع من أكتوبر، كانت وقف التطبيع السعودي مع الكيان والاستفادة من الفرصة التي نشأت بسبب الضعف البنيوي لـ"إسرائيل"، بعد المعركة القضائية، وأخذ الرهائن من أجل إجبارها على إطلاق سراح السجناء وحماية بقاء قيادة حماس، وإنهاء الحرب بعد إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، لأمكننا القول إنه على رغم الدمار العظيم فإن حماس ما زالت هي المحاور الاول في غزة، وما زالت تطالب بأهدافها.
وعلى الرغم من أن محور المقاومة لم يكن راغباً في حرب شاملة، فإنه سعى لفرض خطة متعددة الجبهات ضد "إسرائيل"، من أجل تقييد حرية عملها في غزة، بينما اعتقد حلفاء "إسرائيل" أن عليهم السماح لها بتركيز جهودها على غزة، وهذا يستلزم عزلها، والتغيير في الموقف العسكري لحلفاء "إسرائيل" في الشرق الأوسط. وأنشطتهم العملياتية وتصريحاتهم السياسية الاستراتيجية كانت مصمَّمة من أجل خلق الظروف لتركيز جهود "إسرائيل" على إطاحة حماس، إلا أن نتنياهو حاول، من خلال سياسته، استغلال الدعم لتوسعة مروحة معاركه إلى الضفة، عبر السماح للمتطرفين في حكومته بالعبث بالأمن واستمرار الاستيطان، وتوسعة إطار الحرب في الشمال.
تم استخدام محادثات وقف إطلاق النار في الدوحة والقاهرة استراتيجيةً تحويلية لوقف ردّ كل من إيران وحزب الله على اغتيال القائدين السيد فؤاد شكر وإسماعيل هنية، وبعثت الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية رسائل، مفادها أن رد محور المقاومة سيؤدي إلى ضرب المفاوضات السياسية واليوم التالي.
ولمّا لم تسفر الجولة، التي عُقِدت في القاهرة في الـ22 والـ23 من آب/أغسطس، عن أيّ نتائج، نفذ حزب الله المرحلة الأولى من الرد الموعود. خريطة الطريق، التي طرحها الأميركيون، كانت مبنية على توقع، مفاده أنه إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فإن الشمال أيضاً سوف يعود إلى طبيعته.
التفوق، الذي كانت تتمتع به "إسرائيل"، لم يعد يشكل رادعاً. والولايات المتحدة باتت مجبرة على قبول الواقع الجديد. لم تسحب إيران حق الرد من على الطاولة. وأعلنت بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة مؤخراً أن الرد الانتقامي قد يتم عن طريق البر، أو الجو، في وقت واحد، بينما عيون "إسرائيل" شاخصة على الرد الصاروخي.
ومن الواضح أن طهران تأمل أيضاً إرهاق "إسرائيل" والتأثير في طاولة مفاوضات وقف إطلاق النار، من خلال سياسة عدم اليقين التي تنتهجها. ومن المفترض أن إدارة بايدن تمارس ضغوطاً على نتنياهو، لكنها ما زالت لا ترسم خطاً أحمر، بل تعطي نتنياهو كل ما يريد لأنه الناخب الأقوى في الرئاسة الأميركية.
نتنياهو وحكومته المتطرفة يقودان حلفاءهما
كل شيء في غزة يسير وفق "الوثيقة السياسية" التي قدمها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية إلى الحكومة في الـ13 من أكتوبر 2023. لا توجد فلسطين في تلك الوثيقة. وهي تركز على خيارات القضاء على المقاومة، ونفي الفلسطينيين إلى مصر، واحتلال غزة والسيطرة عليها كحل دائم.
نتنياهو يريد أن يظل ممر فيلادلفيا بين مصر وغزة تحت السيطرة الإسرائيلية. وبموجب الاتفاقيات، لا يمكن لـ"إسرائيل" دخول الممر من دون موافقة مصر. ويريد أن يبقى "الجيش" الإسرائيلي في ممر نتساريم.
وتم تصميم هذا الممر لتقسيم غزة إلى قسمين في المنتصف بعد الـ7 من أكتوبر. وتتمثل الخطة الإسرائيلية بتقسيم غزة إلى قسمين عبر جدران، وإقامة أبراج مراقبة ونقاط تفتيش للسيطرة في كل الممرات في الشمال والجنوب.
وتريد "إسرائيل" السيطرة على بوابة رفح وبوابتي إيريز وكرم أبو سالم. وكانت رفح بالفعل بوابة تسيطر عليها مصر بشدة لمصلحة "إسرائيل".
ويريد نتنياهو استخدام حق النقض على ما لا يقل عن 100، بين 300 أسير يطالب الجانب الفلسطيني بإطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية.
هناك أيضاً قائمة ترحيل ما لا يقل عن 200 فلسطيني، وإرسال أسمائهم إلى دول أخرى غير غزة والضفة الغربية. يقول نتنياهو إنهم سيستمرون في العملية متى أرادوا بعد أخذ الأسرى مع وقف إطلاق النار. ويكرر أنه لن يتنازل عن شرطَي "نتساريم" و"فيلادلفيا". وعلى رغم ذلك فإن الجانب الأميركي يصرّح بأن نتنياهو قبل الاقتراح ويلقي اللوم على حماس. إذا أصبح ممر فيلادلفيا تحت السيطرة الإسرائيلية، فإن غزة ستتحول إلى معسكر اعتقال كامل للقطاع.
تقوم الفلسفة التأسيسية لـ"إسرائيل" على هدف "فلسطين من دون فلسطينيين". يهدف الساسة الإسرائيليون إلى نكبة جديدة عبر طموح لا يمكن كبته؛ بعبارة أخرى، من أجل تكرار للحملة الإرهابية والترحيل والإبادة الجماعية كما حدث عام 1948.
فهل يمكن لهذا الوضع أن يكسر مقاومة الفلسطينيين بعد العمليات التي شنتها حكومة نتنياهو في الضفة الغربية، وهل سيستمر سكوت الأردن عن هدا الواقع في الضفة، أم أن الامور محسوبة؟